كتب يوسف معاطي
تدينى حب..أديك حنان!!
قام من نومه..ولم يذهب إلى الحمام كالعادة..وإنما-لا يعلم لماذا؟-ذهب إلى حيث الجاكيت موضوعا على ظهر كرسى ترابيزة السفرة وأخذ يقلب فى جيوبه.. وكما توقع-ولا أعلم لماذا توقع- ولا مليم فى جيوبه!!الأوراق كما هى.. والبطاقة الشخصية.. المحفظة فى مكانها..كل شىء..إلا الفلوس…صرخ فى زوجتة..يا تفيدة..انتى أخدتى فلوس من الجاكيت؟! صرخت زوجته..فلوس أيه..أنا مش لاقيه مليم فى الدولاب..أوعى تكون أخدت الفلوس يا راجل؟!وجرى نحو حجرة النوم مذعورا..فقد اعتاد أن يترك تحت الهدوم مبلغا كبيرا لمصاريف الشهر.. وقال فى غضب.. يعنى أيه اتسرقنا واحنا نايمين؟!واستدعى عقله فورا..ثلاثة من المشتبه فيهم فانطبعت فى شاشة ذهنه ثلاث صور.. لوائل.. ورانيا ..وشريف..أولاده الثلاثة..فلا أحد غيرهم فى البيت.. وقررأن يبدأ التحقيق.. دخل حجرة وائل.. الذى كان نائما فى براءة.. أيقظة أبوة وقال..وائل ..أنت أخذت فلوس من جيب الجاكيت ولا من الدولاب؟!قال وائل وهو يحاول الاستغراق فى النوم بصعوبة.. فلوس أية يا بابا..أنتوا حيلتكوا فلوس! !..وهنا زجرة الأب بشدة ..قوم هنا وكلمنى..وكانت الأم فى الحجرة الثانية تحقق مع رانيا.. وكلاهما ينكر تماما..وخرج شريف من الحمام وفى يدة الفوطة وهو يقول.. فية أيه يا جماعة ع الصبح..قال الأب.. اسمعوا أنا نايم امبارح والفلوس فى البيت.. الفلوس دى لو ما طلعتش مش ح يحصل طيب.. يعنى أيه؟!عفريت دخل وسرق الفلوس؟!وفجأة قطع التحقيق العائلى.. صراخ الحاجة زينب جارتهم وهى تبكى.. الحقونى..حرامى..وجرى الجميع ليجدوها وهى تلطم على وجهها بعد أن سرق منها تحويشة العمر..ثم.. صراخ أخر..و..كانت العمارة كلها تصرخ..حرامى..اتسرقنا..ونزل الجميع إلى الشارع..كان الشارع كله يجرى ويصرخ..المكوجى اتسرق هو أيضا.. والسوبر ماركت.. حتى بائع الجرائد كان يخلع ملابسه قطعة قطعة وهو يكاد يجن؟.. ولا مليم من إيراد اليوم فى جيبه! !قال أبو وائل يا جماعة..نهدأشوية..احنا نروح نبلغ فى القسم ونعمل محضر دى أكيد عصابة وعارفة الشارع بيت بيت..وذهب الجميع إلى القسم ولكن..يا له من مشهد؟!وكأنه يوم الحشر! !كان القسم مزدحما بصورة عجيبة.. الكل أتى لكى يبلغ عن السرقة.. وقف الضابط وصرخ فيهم..اخرسوا شوية..واحد واحد يتكلم..فبدأ الجميع يتكلمون فى الوقت نفسه..فكل واحد يعتقد أنه أول واحد سيتكلم وسيأتى بعده الأخرون.. فخبط بيده على المكتب خبطة حاسمة.. وقال :بس.. ثم نادى للجندى وقال.. هات لى شاى يا مخيمر وشريط أسبرين.. قال مخيمر..حاضر يا فندم.. ولكنه..(مخيمر يعنى)تحسس جيوبه ثم توقف وقال بذعر فلوسى اتسرقت يا فندم.. فصرخ فيه الضابط..جاتك خيبة..أنت كمان اتسرقت يا أهبل امسك..ومد يده فى جيوبه..ولكن..لا..هل يمكن أن يحدث هذا..البيه الضابط سرقت كل فلوسه هو أيضا؟!!..كان هذا المشهد يتكرر بالضبط فى الوقت نفسه فى جميع الاقسام..وفى كل المصالح.. البنوك تصرخ..اتسرقنا..والصراف يلطم وهو ينظر إلى خزانته الخاوية..ده أنا قافلها بأيدى امبارح..حتى عامل البنزينة الذى لا يترك الفلوس من يده أبدا..وجد يده تقبض على الهواء.وكان لا بد من تفسير لهذا الحدث الجلل.. ولا مليم فى مصر كلها..وكان لا بد من خطاب إعلامى قبل أن تسبقنا الجزيرة وتعلن الخبر..وطلعت المذيعة لتعلن الخبر وهى فى قمة التوتر.. فلقد فتحت شنطتها قبل أن تطلع على الهواء فلم تجد فيها مليما واحدا..وقالت.. قامت عصابة مسلحة بالأمس بسرقة بعض المواطنين..والحكومة تناشدكم الهدوء وضبط النفس.. وتعدكم بصرف التعويضات المناسبة.قال رئيس الحكومة وهو يفتش فى جيوبه الخاوية.. تعويضات منين بس ..دةأنا معييش تمن التاكسى اللى ح يرجعنى البيت كانت الشوارع كلها خالية.. والمقاهى خالية.. والسينمات والأسواق خالية لا أحد يبيع ولا يشترى..لا أحد يكتب شيكا ولا أحد يأخذ قرضا.. كل واحد قفل على نفسه باب بيته واعتكف مع أولاده.. ولماذا ينزل؟!وكيف ينزل؟!وكان لا بد أن نعود لنظام( المقايضة)أن نتبادل الأشياء التى عندنا ونكمل بعضنا بعضا..هذا يعطى بيضا ويأخذ سمنا.. وهذا يعطى سكرا ويأخذ لحما وهذا يمون سيارته بفرخة بلدى.. ولم تعد البنوك لها أى قيمة.. فصارت أسبه بمتاجر كبرى.. تودع فيها بيضك وشايك وخبزك..واختفى النشالون تماما.. وعادت الدماء تسرى من جديد فى الحياة اليومية.. وانهالت الأعلانات فى التليفزيون.. كوميديا الموسم استعراضية غنائيى تشاهدها بأربع بيضات فقط والحجز مقدما ..وفيلم الموسم الذى حقق 6 ملايين بيضة فى أسبوعين..وهذا كتاب جديد أحدث ضجة.. بباكو شاى سعر موحد.. ولم يعد الناس يشعرون بأى مشكلة.. فهم يأكلون ويشربون ويشاهدون السينما والمسرح ويقرأون ويعملون بجد ويتبادلون كل شىء..فى تكامل عبقرى أشبه بسيمفونية رائعة..وحينما عرض الكونجرس الأمريكى..أنه يقدم لنا معونة كام مليار..صرخ الناس فى هلع..لا نريد المعونة..دعونا وشأننا..ملعون أبو الفلوس! !حينما دخلت إلى مكتب الأستاذ محمد زايد..وفى يدى المقال..أخذه منى.. وقرأه ثم داس على الجرس وقال لسكرتيرته..نزلى واحد شاى بالنعناع هنا.. ما أجمل نظام المقايضة! ! !