قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر الخميس بحل مجلس الشعب بسبب بطلان مواد في القانون الانتخابي كما قضت وباحقية احمد شفيق، اخر رئيس وزراء في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، بخوض انتخابات الرئاسة في تطور يعيد ترتيب الخارطة السياسية في مصر بعد عام ونصف من "ثورة 25 يناير".
وقضت المحكمة ب"عدم دستورية انتخابات مجلس الشعب الاخيرة" واعتبرت في حيثيات حكمها ان المجلس الحالي يعد بالتالي "غير قائم بقوة القانون بعد الحكم بعدم دستورية انتخابه، دون الحاجة الى اتخاذ اي اجراء آخر".
وفي اول رد فعل من شخصية سياسية بارزة قال محمد البرادعي على حسابه على تويتر ان "انتخاب رئيس في غياب دستور وبرلمان هو انتخاب رئيس له سلطات لم تعرفها اعتى النظم الديكتاتورية".
وطرح البرادعي احد حلين اما "التوافق علي مجلس رئاسي يشكل لجنة تأسيسية وحكومة انقاذ وطني و يشرف علي انتخابات برلمانية ورئاسية بعد إقرار الدستور" واما "رئيس مؤقت مع حكومة انقاذ وطني يشكل لجنة توافقية لوضع الدستور ثم انتخابات برلمانية ورئاسية بعد إقرار الدستور".
وقالت وكالة انباء الشرق الاوسط المصرية ان المحكمة الدستورية اكدت في حيثيات حكمها ان "تكوين المجلس بكامله باطل منذ انتخابه، وأن المجلس بالتالي غير قائم بقوة القانون بعد الحكم بعدم دستورية انتخابه دون حاجة إلى اتخاذ أية إجراء آخر".
وقالت مصادر عسكرية ان المجلس الاعلى للقوات المسلحة، الذي يتولى السلطة في مصر منذ اسقاط حسني في 11 شباط/فبراير 2011، "يعقد الان جلسة طارئة لبحث تداعيات حكم المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب".
واوضحت المصادر ان المجلس العسكري سيعلن "استعادته للسلطة التشريعية الى حين اجراء انتخابات تشريعية جديدة".
وكان المجلس العسكري تولى السلطتين التشريعية والتنفيذية في البلاد فور اسقاط مبارك الا انه سلم السلطة التشريعية لمجلس الشعب بعد انتخابة مطلع العام الجاري.
ويفترض ان يترتب على بطلان مجلس الشعب بطلان الجمعية التأسيسية التي شكلها الثلاثاء الاعضاء المنتخبون في مجلسي الشعب والشورى.
غير ان الاعلان الدستوري الذي اصدره المجلس العسكري في اذار/مارس 2011 لم يمنحه سلطة حل البرلمان وهو ما دعا المحكمة الدستورية الى تجنب هذه المشكلة والتأكيد على ان مجلس الشعب يعتبر منحلا "بقوة القانون".
وقضت المحكمة بعدم دستورية عدد من مواد قانون الانتخابات التشريعية التي تعطي الاحزاب الحق في الترشح لثلث مقاعد مجلس الشعب المخصصة للمستقلين والتي تجري الانتخابات عليها بالنظام الفردي.
وجرت الانتخابات التشريعية المصرية نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي وفق نظام انتخابي معقد يخلط بين نظام القوائم النسبية التي خصص لها ثلثا مقاعد مجلس الشعب ونظام الدوائر الفردية الذي خصص له الثلث الباقي.
وكان حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الاخوان المسلمين يحظى بالاكثرية في مجلس الشعب (اكثر من 40%) ويليه حزب النور السلفي الذي يسيطر على قرابة 20% من مقاعد المجلس.
من جهة اخرى قضت المحكمة الدستورية ببطلان التعديلات التي ادخلت على قانون مباشرة الحقوق السياسية الذي يعرف بقانون العزل السياسي ما يعني استمرار احمد شفيق في سباق الرئاسة.
وقضت المحكمة "بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بعدم دستورية التعديلات التي طرأت على قانون مباشرة الحقوق السياسية المعروف اعلاميا بقانون العزل السياسي".
وكان قانون العزل السياسي الذي تبناه البرلمان ذو الغالبية الاسلامية في نيسان/ابريل، قضى بعزل رموز النظام السابق.
وقال شفيق ان حكم المحكمة الدستورية العليا الذي قضى الخميس بعدم دستورية قانون العزل هو بمثابة رسالة مفادها ان "عصر تصفية الحسابات انتهى".
واكد شفيق في مؤتمر صحافي ان "رسالة هذا الحكم التاريخي هي انه انتهى عصر تصفية الحسابات كما ذهب بلا رجعة اسلوب تفصيل القوانين واستخدام مؤسسات الدولة لتحقيق اهداف فئة معينة"، في اشارة الى جماعة الاخوان المسلمين التي كانت تتمتع من خلال حزب الحرية والعدالة المنبثق عنها بالاكثرية في مجلس الشعب الذي قضت المحكمة الدستورية العليا بحله.
واضاف شفيق، الذي سيخوض جولة الاعادة في الانتخابات الرئاسية المقررة يومي السبت والاحد في مواجهة مرشح جماعة الاخوان محمد مرسي، "سوف نعود شاء من شاء ولم يشأ من لم يشأ.. سوف نعود مصر التي نحلم بها".
واكد انه "لا يريد عزة ولا يريد سلطة او مكانة" وانما يسعى الى ان "يساهم" مع المصريين في بناء "بلد مستقر (..) بلد آمن باقتصاد يوفر الرزق للجميع".
من جهته، اكد القيادي في حزب الحرية والعدالة المصري المنبثق من جماعة الاخوان المسلمين محمد البلتاجي ان احكام المحكمة الدستورية الصادرة الخميس بحل مجلس الشعب وابقاء احمد شفيق في سباق الرئاسة تشكل "انقلابا كامل الاركان".
ونقل موقع جماعة الاخوان المسلمين على الانترنت عن البلتاجي قوله ان "الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية اليوم تأتي ضمن انقلاب كامل الأركان يشطب أشرف ستة عشر شهرا في تاريخ هذا الوطن".
واضاف ان "هذا الانقلاب بدأ ببراءة كل مساعدي وضباط الداخلية (المتهمين بقتل المتظاهرين ابان الانتفاضة ضد مبارك العام الماضي) ثم الازمة المصطنعة مع القضاء ثم إعطاء الضبطية القضائية للشرطة العسكرية والمخابرات الحربية ثم حل البرلمان المنتخب وفقا لقانون اصدره المجلس العسكري واعطاء خاتم المشروعية الدستورية لترشح (احمد) شفيق قبل بدء الجولة الثانية بأقل من 48 ساعة والحديث عن تشكيل المجلس العسكري للجنة الدستور".
ويخوض شفيق، الذي كان اخر رئيس وزراء في عهد مبارك جولة الاعادة في الانتخابات الرئاسية السبت والاحد المقبلين في مواجهة مرشح جماعة الاخوان المسلمين محمد مرسي.
ونصت التعديلات على منع رموز نظام مبارك وقيادات الحزب الوطني الحاكم سابقا للسنوات العشر التي سبقت الاطاحة بمبارك في شباط/فبراير 2011 من الترشح للانتخابات لمدة عشر سنوات.
لكن شفيق طعن في القانون امام اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية التي قبلت الطعن واحالته الى المحكمة الدستورية العليا.
واحيط مقر المحكمة الدستورية بالقاهرة الخميس باجراءات امنية مشددة منذ الصباح الباكر وانتشرت في محيطه قوات كبيرة من الامن لحمايته ومنع اقتراب عشرات المتظاهرين الذين تجمعوا قربه وهتفوا "الشعب يريد عزل الفلول" و"يا شعب قول، مش عايزين فلول".
وبعد اعلان احكام المحكمة صرخ عجوز كان يقف قرب مبنى المحكمة "الثورة انتهت".
ويشهد الشارع المصري استقطابا هائلا مشوبا باحتقان بين الفريقين المؤيدين لشفيق ومرسي.
وتتبارى وسائل الاعلام مستعينة بخبراء القانون والمحللين في رسم سيناريوهات ما بعد حكم المحكمة الدستورية وسط مخاوف من تفجر العنف.