رشق العشرات من ذوي الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية أمس وزيرة الخارجية الفرنسية ميشال أليو ماري بالأحذية والبيض في مدينة غزة احتجاجاً على وصفها استمرار احتجاز الجندي الإسرائيلي الأسير غلعاد شاليت بأنه «جريمة حرب». وأعلن مسؤول إسرائيلي أن الوزيرة أصيبت في رأسها ونقلت الى المستشفى، في حين نفى مستشفى برزلاي في عسقلان أن تكون الوزيرة أصيبت، مشيراً الى أن أحد مرافقيها أصيب ويعالج في المستشفى. في الوقت نفسه، قللت وزارة الخارجية الفرنسية من شأن التظاهرات التي قالت إنها نجمت عن «أقوال غير دقيقة» نسبتها إليها الإذاعة الإسرائيلية.
وجاء رشق أليو ماري بالأحذية والبيض بعد نحو ساعة من اعتراض طريق موكبها قرب حاجز بيت حانون (ايرز) شمال قطاع غزة. وهي المرة الثانية التي يتعرض فيها مسؤول فرنسي رفيع للإهانة في الأراضي الفلسطينية على رغم التقدير الكبير الذي يكنه الفلسطينيون للسياسة الخارجية الفرنسية المعلنة من قضيتهم، خصوصاً في عهد الرئيس السابق جاك شيراك. وكان طلاب جامعة بير زيت في الضفة الغربية رشقوا رئيس الحكومة الفرنسية ليونيل جوسبان بالحجارة في حرم الجامعة في آذار (مارس) عام 2000 احتجاجاً على تصريحات غير مقبولة ضد المقاومة الفلسطينية واللبنانية. لكن عدداً من الغزيين قارن في أحاديث مع «الحياة» بين تصريحات ومواقف شيراك ووزرائه وتصريحات أليو ماري، واستذكروا الحفاوة البالغة التي لقيها شيراك في غزة لدى زيارته لها قبل 10 اعوام.
وأغلق العشرات من ذوي الأسرى الطريق الرئيس أمام موكب أليو ماري قرب بلدة بيت حانون، وعطلوا مرورها لنحو ربع ساعة احتجاجاً على التصريحات نفسها التي أثارت غضب «الغزيين». ورفع ذوو الأسرى لافتات باللغة الإنكليزية قالوا فيها إنها «غير مرغوب فيها» و«اخرجي من غزة».
ثم توجهت أليو ماري الى مقر «وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (أونروا) محطتها الأولى، حيث كان العشرات من أهالي الأسرى في انتظارها، وحاصروا مقر «أونروا»، ومنعوها من الخروج في أعقاب اجتماعها مع مفوضها العام فيليبو غراندي، من البوابة الرئيسة، فتوجهت الى بوابة أخرى، فلحق بها الأهالي إليها، قبل أن تعود الى البوابة الأولى وتتوجه الى مستشفى القدس في حي تل الهوا المدمر أثناء الحرب والذي تموّل فرنسا إعادة بنائه.
الوزيرة لا تنفي وتتجاهل قضية الأسرى
ولم تنف أليو ماري في مؤتمر صحافي عقدته في مقر المركز الثقافي الفرنسي في مدينة غزة التصريحات التي أدلت بها أثناء لقاء عقدته مع عائلة شاليت في مدينة القدس المحتلة أول من أمس، ولم تكررها. كما رفضت السماح لعشرات الصحافيين «الغزيين» بطرح أي أسئلة، وتجاهلت الحديث عن أكثر من سبعة آلاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، ولم تتطرق الى قذفها بالأحذية والبيض. لكنها نفت تصريحاتها في لقاء مغلق عقدته مع عدد محدود من أقطاب المجتمع المدني في القطاع.
ووجه مدير «مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان» خليل أبو شمالة أثناء اللقاء انتقادات لتصريحات أليو ماري، وقال لـ «الحياة» إنه عبر عن رفضه تصريحاتها وانتقاداتها أثناء اللقاء، مشيراً الى أن «من حق ذوي الأسرى أن يعبروا عن احتجاجهم على تصريحاتك عندما يرون الظلم بأم أعينهم».
وأضاف إنها «ليست المرة الأولى التي يزور فيها مسؤولون أوروبيون رفيعون الأراضي الفلسطينية ... ويتجاهلون آباء وأمهات وزوجات وأبناء أكثر من سبعة آلاف أسير فلسطيني». وشدد على أن «هؤلاء المعتقلين ليسو مجرمين، بل هم مناضلون من أجل حرية وطنهم ومقاومتهم المشروعة للاحتلال وفقاً للقانون الدولي، وأن استمرار اعتقالهم هو جريمة حرب».
وقاطع رجال الأعمال الفلسطينيين حفلة الاستقبال للوزيرة الفرنسية في مقر المركز الثقافي الفرنسي احتجاجاً على تصريحاتها، فيما انتدبوا رجل الأعمال مأمون أبو شهلا لتمثيلهم في اللقاء لإبلاغها باحتجاجهم.
3 مؤشرات الى الانحياز
ولم يقاطع ممثلو الفصائل اللقاء مع أليو ماري، فيما لم تتم دعوة ممثلين عن حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» المدرجتين على قائمة «المنظمات الإرهابية» الأوروبية. وعبرت والدة أحد الأسرى عن غضبها العارم على تصريحاتها، وقالت لـ «الحياة» إن أليو ماري «منحازة الى جانب إسرائيل»، ودلت على انحيازها عبر ثلاثة مؤشرات «أولها وصفها استمرار أسر شاليت بأنه جريمة حرب وعدم إشارتها الى الأسرى الفلسطينيين، وثانيها عقد لقاء مع أسرته لأنه يحمل الجنسية الفرنسية وعدم عقد لقاء مماثل مع أسرة الأسير الفلسطيني صلاح حموري الذي يحمل الجنسية الفرنسية أيضاً، وثالثها أنها زارت بلدة سديروت الإسرائيلية للاطلاع على أوضاعها، ولم تزر المناطق المدمرة أثناء العدوان الأخير على القطاع».
كما أثارت تصريحات أليو ماري «حماس»، إذ وصف الناطق باسم الحركة سامي أبو زهري تصريحاتها بأنها «منحازة للاحتلال»، وقال في تصريح ليل الخميس - الجمعة إن «هذه التصريحات تعكس ازدواجية المعايير»، مضيفاً أن شاليت «أُسر من أرض المعركة وهو يقتل مواطنين فلسطينيين على حدود قطاع غزة، بينما هناك أكثر من ثمانية آلاف أسير فلسطيني اعتقلهم الاحتلال من بيوتهم من دون أي ذنب». ودعا فرنسا الى «إعادة النظر في مثل هذه المواقف التي لا تخدم الدور الفرنسي في المنطقة».
من جهته، اعتبر الناطق باسم لجان المقاومة «أبو مجاهد» تصريحات أليو ماري بأنها «تشكل دعماً كاملاً لسياسة الاحتلال في المنطقة». وأضاف أن «اليو ماري تعلم أن شاليت أُسر من على ظهر دبابة كانت تقتل أبناءنا ... ومن حق المقاومة أن تأسر كل إسرائيلي يعتدي على أبناء شعبها». وقال إن «مرتكبي جرائم الحرب هم من احتلوا أرضنا واقترفوا في حق شعبنا آلاف المجازر، وما زالوا جاثمين على أرض فلسطين ينهبون خيراتها ويستبيحون دماء أبنائها الأصليين». وطالب فرنسا التي «تدخلت أكثر من مرة لمحاولة التعجيل في إنجاز ملف شاليت بالكف عن تصريحات تبين ولاءها للمشروع الإسرائيلي في المنطقة ولا تنصف الشعب الفلسطيني الذي يدافع عن حريته».
ولوحظ ان عددا من رجال الشرطة التابعين لوزارة الداخلية في الحكومة المقالة فرضوا حراسة على مقر المركز الفرنسي في غزة، كما لوحظ ان سيارة تحمل لوحات مدنية وتقل مدنيين يعتقد انهم رجال امن تابعون لوزارة الداخلية، رافقوا موكب الوزيرة منذ دخولها غزة وحتى مغادرتها بعد 4 ساعات.
بيان الخارجية الفرنسية
وتعليقا على تظاهرات غزة، قال الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو إن بعض التظاهرات الصغيرة لن تخفي حقيقة أن زيارة الوزيرة للقطاع هي الأولى لوزير خارجية فرنسي منذ عام 2005، مضيفاً إن الوزيرة توجهت الى غزة بعد لقاءات في إسرائيل طالبت خلالها برفع الحصار عن غزة، وإنها بعد ذلك توجهت الى القطاع لتأكيد التزام فرنسا الى جانب «الغزيين»، وهو التزام يعبر عنه أيضاً وجود مركز ثقافي فرنسي في غزة، وأيضاً إعادة إعمار مستشفى القطاع. وأضاف إن التظاهرات جرت نتيجة أقوال غير دقيقة نقلتها الإذاعة الإسرائيلية عن الوزيرة التي عملت على توضيح الأمور، مشيراً الى أن الإذاعة صححت ما نسبته الى الوزيرة.
الوزيرة عن رفع حصار غزة وحدود 1967
وكانت وزيرة الخارجية الفرنسية أكدت خلال زيارتها لقطاع غزة أمس أن فرنسا تدعو إسرائيل الى «رفع» الحصار الذي تفرضه على القطاع. وقالت في خطاب ألقته في المركز الثقافي الفرنسي في غزة إن «حصار غزة يولد الفقر ويؤجج العنف. باسم قيم الحرية والكرامة التي نتشاطرها، تدعو فرنسا إسرائيل الى رفعه». وأضافت إن «فرنسا لن تتخلى عن غزة، وتعمل من أجل السلام وتنمية فلسطين. السلام يمر عبر إقامة دولة فلسطينية تكون غزة جزءاً لا يتجزأ منها مثل الضفة». وتابعت: «تم اتخاذ إجراءات لتخفيف الحصار، إنها إيجابية لكن يجب القيام بأكثر من ذلك. يجب من الآن وصاعداً السماح بواردات مواد البناء ومواد أولية والصادرات وحرية تنقل الأشخاص».
من جهة أخرى، أكدت وزيرة الخارجية الفرنسية في مقابلة مع صحيفة «القدس» الفلسطينية أن الاتحاد الأوروبي يعتبر حدود 1967 أساس المفاوضات. ورداً على سؤال عن سبب عدم اعتراف الاتحاد الأوروبي بدولة فلسطين على حدود 1967 كما سبق لدول أميركية لاتينية أن فعلت، قالت: «قام الاتحاد الأوروبي بالتذكير بموقفه بوضوح شديد في كانون الأول (ديسمبر) عام 2009 عندما أشار الى أنه لن يعترف بأي تعديلات على حدود 1967 ما لم تتم الموافقة عليها من الأطراف المعنية، ويشمل ذلك أيضاً القدس ... كما أكد الاتحاد في خلاصات مجلس وزراء الخارجية الذي عقد في 13 كانون الأول (ديسمبر) الماضي بأنه مستعد في الوقت المناسب لأن يعترف بدولة فلسطينية». وتابعت «إن الأولوية اليوم هي استئناف عاجل للمفاوضات للتوصل لاتفاق نهائي يسمح لحل دائم للنزاع ولنهاية الاحتلال ولديمومة الدولة الفلسطينية»، مشيرة الى أن فرنسا «كانت الأولى في أوروبا في رفع التمثيل الديبلوماسي الفلسطيني لديها في تموز (يوليو) الماضي».
وتحدثت اليو-ماري عن مشاريع الدعم المالي والاقتصادي للسلطة الفلسطينية، وقالت: «وجهت دعوة لرئيس الوزراء سلام فياض الذي التقيت به مساء الخميس ورؤساء مؤتمر باريس للدولة الفلسطينية لعشاء متابعة في الثالث من شباط (فبراير) المقبل في باريس، وسنناقش في شكل خاص خلاله عقد مؤتمر دولي جديد للمانحين». وذكرت «بالنجاح الذي أحرزه مؤتمر المانحين الذي عقد في باريس في كانون الأول (ديسمبر) عام 2007، فخلال السنوات الثلاث التي غطاها المؤتمر، تم صرف 7,7 بليون دولار من جميع المساعدات المقدمة، منها 4,3 بليون كمساعدة للموازنة العامة للسلطة» الفلسطينية.
وكانت اليو-ماري بدأت أول من أمس أول جولة شرق أوسطية لها في إسرائيل، وستزور فيها أيضاً مصر والأردن حيث ستلتقي الرئيس محمود عباس اليوم. وعن هذا اللقاء، أوضحت أنها ستؤكد لعباس مجدداً «الدعم الحازم لفرنسا ورئيسها نيكولا ساركوزي لإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة ومستقلة وقابلة للعيش وديموقراطية من الآن وحتى نهاية عام 2011 وفقاً للهدف الذي حددته اللجنة الرباعية».