الأوروبيون في «أزمة مبادئ» أمام عنف النظام
الجيش السوري يقصف منطقة سكنية في حمص ويبحث عن قادة الاحتجاجات في بانياس
قصفت دبابات الجيش السوري منطقة سكنية في حمص، ثالث أكبر مدينة بسورية، أمس، والتي أصبحت من أكبر المراكز السكانية تحديا لحكم الرئيس بشار الأسد.
وقال الناشط الحقوقي نجاتي طيارة إن حمص تهتز بأصوات الانفجارات من قصف الدبابات والأسلحة الآلية الثقيلة في حي باب عمرو.
وأضاف طيارة أن مسيحيا سوريا قتل برصاص قناص أصابه في الرأس بمنطقة الإنشاءات القريبة، مشيرا إلى أن السلطات تحاول زيادة التوتر الطائفي لتقويض المظاهرات المطالبة بالديمقراطية.
وقال إن ماهر الناقور قتل بالرصاص حين كان واقفا أمام
منزله في منطقة انتشر فيها القناصة على أسطح المنازل في إطار الحملة العسكرية. من جهته، قال رجل الأعمال السوري رامي مخلوف ابن خال الرئيس بشار الأسد في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز نشرتها أمس، إن النظام ''سيقاتل حتى النهاية''، محذرا من أنه ''لن يكون هناك استقرار في إسرائيل'' إذا لم يكن هناك استقرار في سورية. وأضاف ''إن عائلة الأسد ستبقى.. سنتقاتل حتى النهاية''. ومخلوف في أوائل الأربعينيات من عمره ويملك عدة احتكارات ويخضع هو وشقيقه، وهو ضابط كبير بالشرطة السرية، لعقوبات أمريكية خاصة منذ عام 2007 بتهمة الفساد. وقالت الناشطة الحقوقية سهير الأتاسي إن مظاهرة اندلعت أمس الأول في حمص على الرغم من الحملة الأمنية المكثفة بعد أن اقتحمت الدبابات عدة أحياء يوم الأحد ومقتل ثلاثة مدنيين.
وقالت إن النظام يلعب بورقة خاسرة بإرساله دبابات إلى المدن ومحاصرتها.
وأضافت أن السوريين رأوا دم أبناء وطنهم يسفك وإنهم لن يعودوا أبدا إلى ما كانوا عليه.
ويؤكد مخلوف أنه رجل أعمال توفر شركاته فرص عمل لآلاف السوريين.
وفي جنيف حث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون سورية على وقف الاعتقالات الجماعية والاستجابة للدعوات بالإصلاح والكف عن العنف. وقال إنه يجب السماح لموظفي الإغاثة التابعين للأمم المتحدة ومراقبين لحقوق الإنسان بدخول درعا وغيرها من المدن.
وقال ناشط حقوقي بجنوب سورية إن أربعة مدنيين قتلوا ببلدة طفس الواقعة هناك، حيث وسعت قوات الأمن نطاق حملة الاعتقالات، مضيفا أن 300 اعتقلوا منذ دخلت الدبابات طفس يوم السبت.
وفي مدينة بانياس الساحلية (غرب) ''لا يزال البحث مستمرا عن قادة الاحتجاجات الذين لم يتم اعتقالهم بعد''، حسبما أفاد به رئيس المرصد السوري لحقوق الإنسان في اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس.
من جهة أخرى، صرح المحامي خليل معتوق أن القضاء السوري أفرج عن المخرج السينمائي فراس فياض المعتقل منذ 30 نيسان (أبريل) بتهمة ''التحريض على التظاهر''. وأعلنت وزيرة الخارجية الأوروبية كاثرين آشتون أن الاتحاد الأوروبي سيعيد النظر في العقوبات بحق النظام السوري لممارسة ''أكبر قدر ممكن من الضغط السياسي'' على الرئيس بشار الأسد. ويرى محللون أن العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على المقربين من الرئيس السوري بشار الأسد ليست سوى إجراءات رمزية ستكون ذات تأثير محدود على هذا النظام الذي يواصل قمعه الدموي لحركة الاحتجاجات.
وقضت العقوبات التي أقرها الاتحاد الأوروبي بتجميد أصول 13 شخصية نافذة في النظام ومنع دخولهم إلى الدول الأعضاء في الاتحاد.
ومن هذه الشخصيات ماهر الأسد شقيق الرئيس، وابن خاله رامي مخلوف، وغيرهما ممن يعتبرون رموزا في قمع المحتجين. ولم تطول هذه العقوبات الرئيس بشار الأسد نفسه.
ويقول جوشوا لانديس مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما ''الأوروبيون في وضع صعب، فمبادئهم في الديمقراطية والحرية تفرض عليهم أن يرفعوا الصوت بوجه هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان التي تجري في سورية، لكن الواقعية السياسية تملي عليهم أن يتركوا باب الخروج مفتوحا أمام الرئيس الأسد''.
وقد نجحت سورية في أن تكون دولة ذات ثقل إقليمي بفضل تحالفها مع إيران ودعمها للفصائل اللبنانية والفلسطينية المسلحة، وعلى رأسها حزب الله وحركة حماس.
ويقول فابريس بالانش، الباحث في شؤون الشرق الأوسط في جامعة ليون وصاحب كتاب ''المنطقة العلوية والنظام السوري''، إن ''الاتحاد الأوروبي يريد أن يعبر عن استيائه لكنه لا يمتلك إمكانات حقيقية لفرض عقوبات''.
ويؤكد دبلوماسي غربي سابق في المنطقة أن ''العقوبات أقرت لأن المواطنين الأوروبيين لا يفهمون سبب سكوت الاتحاد الأوروبي عن عمليات القتل الجارية، لا سيما بعدما تحرك الاتحاد الأوروبي من أجل ليبيا''. ويضيف ''هذا النظام منطو على نفسه، ويقيم علاقات محدودة مع العالم الخارجي بحيث يصعب التأثير عليه من خلال عقوبات كهذه''.
وفي نظام يرتكز على الولاءات التقليدية، الدينية والعشائرية والعائلية، لا يبدو أي شيء قادرا على التأثير في الشخصيات المستهدفة بالعقوبات، مثل ماهر الأسد قائد الحرس الجمهوري، إضافة إلى رئيس المخابرات وشخصيات نافذة أخرى من بينهم رجل الأعمال رامي مخلوف.
ويتحدث الدبلوماسي السابق عن الوظيفة التي يضطلع بها أركان النظام، ويقول إن ''ماهر الأسد يؤمن حماية الرئيس، ورامي مخلوف مكلف بشراء ولاءات العائلات الكبرى العاملة في التجارة في سورية''.
ويتفق الخبراء على القول إن احتمال إقدام بشار الأسد على التخلص من المقربين منه أشبه بالانتحار السياسي.
وفي سياق الحديث عن عدم جدوى هذه العقوبات، يشير الخبراء إلى إمكانية أن يكون رموز النظام تمكنوا من استباق الأمور ونقل أموالهم إلى أي دولة أخرى. من جهة أخرى، وجه وليد بن عبد الكريم القشعمي المجند السابق في الحرس الجمهوري السوري، رسالة جديدة إلى أبناء الجيش السوري بكافة مكوناته، ورسالة أخرى إلى النظام السوري، نفى خلالهما ما أثير حول ما ذكرته بعض وسائل الإعلام السورية من تعرضه للاختطاف على يد عصابات مسلحة. وقال القشعمي في رسالة مرئية تم نشرها على موقع ''يوتيوب''، إنه يخاطب عموم الشعب السوري وأفراد الجيش بكافة مكوناته، وخصوصا الحرس الجمهوري، إضافة إلى أبناء بلدته ''إبطع'' التابعة لدرعا، وذلك ليؤكد لهم ما ذكره في رسالته السابقة من قيامه برفض تنفيذ أوامر القيادة العسكرية وأجهزة المخابرات والأمن بإطلاق النار على المتظاهرين العزل في حرستا. ونفى القشعمي ما أشيع عن تعرضه للاختطاف من قبل عصابات مسلحة، مؤكدا أنه حر طليق وما زال داخل الأراضي السورية، وشدد على أنه قام بموقفه هذا وهو في كامل قواه العقلية ولا يعاني أي مرض.
وذكر المجند السابق في الحرس الجمهوري أن لديه ''معلومات خطيرة جدا'' عما أسماه ''الإجرام السوري بحق الشعب الأعزل''، وأضاف أنه سيقدم هذه المعلومات لوسائل الإعلام في الوقت المناسب.
وخاطب القشعمي النظام السوري الذي ذكر أنه أصدر بحقه حكما بالإعدام كما هدده بأهله، قائلا: ''أحب أن أقول لهذا النظام إن الشعب السوري كلهم أهلي ولن أخضع لكل ضغوطاتكم مهما كانت النتيجة''. يذكر أن المجند القشعمي كان قد أعلن انشقاقه الأسبوع الماضي عن الحرس الجمهوري هو وستة من زملائه بعد أن صدرت إليهم أوامر بإطلاق الرصاص الحي على متظاهرين عزل في ضاحية حرستا في دمشق.