: قصف شرس... والسلطات تعرض على الثوار إلقاء السلاح أو قتال 60 ألف مسلحوصف الثوار الليبيون إعلان نظام العقيد الليبي معمر القذافي وقف العمليات العسكرية في مدينة مصراته المحاصرة منذ شهرين بأنه «فخ»، موضحين أن قواته شنت هجوماً شرساً على المدينة أمس وتستعد لشن هجمات جديدة بمساعدة من القبائل وأن القذافي يريد «إيهام العالم» أن قبائل مصراتة «ما زالت موالية له». وحذّر الثوار ومسؤولون دوليون بينهم وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ من أن إعلان القذافي وقف العمليات العسكرية في مصراتة وترك أمرها للقبائل هو «تكتيك جديد» للهروب من مسؤولية قواته عن المذابح التي حدثت وستحدث في المدينة، ومحاولة إظهار ما يحدث بأنه «حرب أهلية بين القبائل الليبية» والتمهيد لموجة من العنف بقوات لا تلبس الزي العسكري. وقال وليام هيغ لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» أمس إن هذه الخطوة يمكن أن تكون مناورة «للتغطية على تعزيز حرب المسلحين من دون زي عسكري ومن دون دبابات». ويقول الثوار إن قلة حول مصراتة هي التي تدعم القذافي، وتتهمه بدفع مبالغ مالية لمرتزقة ليدعوا أنهم من السكان المحليين.
ويأتي ذلك فيما نفى مساعد وزير الخارجية الليبي خالد الكعيم انسحاب القوات الموالية للقذافي من مصراتة، موضحاً أن القوات قامت فقط بتعليق العمليات لإتاحة الفرصة للقبائل لإقناع الثوار «بإلقاء سلاحهم» خلال 48 ساعة، محذراً في الوقت ذاته من انه في حالة فشل التفاوض مع الثوار، فإن القبائل سترسل مسلحين للمدينة البالغ عدد سكانها 300 ألف نسمة لقتال الثوار.
وقال الكعيم إن قادة القبائل مصرين على إنهاء القتال بسبب الخسائر التي يعانون منها بسبب تعطل التجارة في ميناء مصراتة. تابع وفق وكالة «أسوشييتد برس» أمس: «قادة القبائل مصرون على إيجاد حل لهذه المشكلة خلال 48 ساعة... إذا فشلت المفاوضات، فإن الخيار الآخر المتاح لقادة ورؤوس القبائل هو التدخل العسكري لتحرير مصراتة»، موضحاً أن القبائل الست الأساسية في مصراتة يمكنها أن تجهز 60 ألف مقاتل مسلح.
وفيما ليس من الواضح بعد ما إذا كان الثوار سيوافقون على الدخول في مفاوضات من أي نوع مع القبائل، قال الكعيم إن قادة القبائل ما زالوا يحاولون إقامة اتصال مع الثوار. لكن وفي تطور يظهر أن القذافي يحاول ربما كسب المزيد من الوقت في مصراتة واستقدام المزيد من القوات، قال شهود عيان انهم شاهدوا بالفعل في المدينة مقاتلين من أبناء قبائل الجنوب يرتدون الملابس المدنية. ويتوقع أن تؤدي تعبئة قبائل على غرار «بني وليد» و «زليتن» معقلي قبيلة «ورفلة» الأكثر موالاة لنظام القذافي إلى تعقيد عمل الحلف الأطلسي (ناتو) حيث سيكون من الصعب التمييز بين المدني والعسكري وسط العمليات.
وجاءت تحذيرات الثوار من «فخ» تعده قوات القذافي بعد معاودة تعرض مصراتة إلى قصف شرس شنته القوات الحكومية صباح أمس، وذلك بعد ساعات قليلة من إعلان السلطات الليبية وقف العمليات في المدينة.
وقال عبدالسلام الناطق باسم المعارضة الليبية إن مصراتة تعرضت لقصف شرس صباح أمس من قوات القذافي، موضحاً لوكالة «رويترز» أن «الوضع خطير للغاية» في مصراتة.
وتابع: «كتائب القذافي بدأت قصفاً عشوائياً في الساعات الأولى من هذا الصباح. القصف ما زال مستمراً. تستهدف، قوات القذافي، وسط المدينة بخاصة شارع طرابلس وثلاث مناطق سكنية». ولم يشر عبدالسلام إلى ما إذا كان هناك قتلى وجرحى نتيجة القصف. وقال متحدث باسم المعارضة إن طائرات «الأطلسي» التي تقصف مواقع ليبية منذ أكثر من شهر شوهدت وهي تحلق فوق مصراتة ولكن ليس هناك مؤشر إلى وقوع ضربات جوية.
وكان مساعد وزير الخارجية الليبي خالد الكعيم أعلن أول من امس أن السلطات الليبية علّقت عملياتها في مصراتة، وستترك التعامل مع الثوار لقبائل المنطقة لمحاولة إيجاد حل سلمي للنزاع خلال 48 ساعة، وإلا ستلجأ القبائل للقوة للسيطرة على المدينة. إلا أن الكعيم عاد وقال أمس إن تعليق العمليات في مصراتة، لا يعني أن القوات الحكومية ستنسحب منها.
وفي رد فعل للثوار، قال الناطق العسكري باسم المجلس الوطني الانتقالي العقيد عمر باني إن إعلان القذافي تعليق العمليات العسكرية في مصراته «فخ»، وإن قواته تستعد لشن هجمات جديدة، موضحاً: «أنه فخ، فهم لم ينسحبوا».
وأضاف وفق وكالة «فرانس برس» أمس: «لقد ابتعدوا قليلاً من شارع طرابلس لكنهم يستعدون للهجوم مجدداً»، على هذا المحور الرئيس في المدينة الذي تحول إلى خط جبهة.
وأكد العقيد باني أن النظام يريد «إيهام العالم» بأن قبائل مصراتة ما زالت موالية له، موضحاً أن القذافي «يريد تأكيد أنها حرب أهلية بين القبائل الليبية، لكن ذلك غير صحيح ولن يحصل أبداً». وتابع: «هل تظنون حقاً انني سأحارب عائلتي؟ هذا مستحيل. انه مجرد حلم للقذافي».
كما اتهم باني النظام الليبي بإرسال أسرى إلى الجبهة بعد اعتقالهم على الجبهة الشرقية أو في جبال الثوار جنوب غربي طرابلس، مؤكداً أنه يعطيهم أسلحة من دون ذخيرة. وقال إن «أهالي مصراتة سيظنون أنهم جنود القذافي وإذا لم يقتلوهم فإن جنود القذافي سيقتلونهم من الخلف».
وقد استؤنفت المعارك في مصراتة بالقذائف والأسلحة الرشاشة منذ الساعات الأولى من صباح أمس غداة معارك ضارية أسفرت عن سقوط 28 قتيلاً ومئة جريح كما أفاد مراسلو «فرانس برس».
وأكد أحد الثوار، ويدعى عمر رجب، بقلق وقد حمل رشاشه على كتفه «أصبح هناك الآن مقاتلون قبليون» يرتدون الزي المدني في مصراتة. وقال خالد، المدرس الذي يبحث عن مواد غذائية لأسرته لوكالة «فرانس برس» أمس: «وقعت عمليات قصف شديد الليلة الماضية (الجمعة - السبت) وأصيب منزلي بصاروخ». وأضاف: «بمعجزة، لم يصب أحد. كنا 27 شخصاً داخل المنزل لكننا كنا نختبئ في القبو».
وتابع أن الانفجارات دوت من الساعة 19 الجمعة إلى الساعة الثالثة السبت قبل أن تستأنف في الساعة 5.30 من السبت وتستمر طوال النهار. كانت الصواريخ تتساقط في شكل عشوائي».
ويقول عمر رجب (29 سنة) في «شارع طرابلس» حيث تتركز المعارك «نقاتل في بعض الأحيان رجالاً ببزات الجيش الليبي وفي بعض الأحيان رجالاً بلباس مدني».
ويضيف مبرراً وجود هؤلاء بأن «هناك الآن مقاتلين من أبناء قبائل جنوب ليبيا»، مكرراً بذلك ما قاله متمردون آخرون أمس. وحوالى الساعة الواحدة من بعد ظهر أمس سقطت صواريخ «غراد» في المدينة بينما يسمع أزيز رصاص الرشاشات بلا انقطاع. وأسر الثوار سائق دبابة في الجيش الليبي دمرت آليته بصاروخ. وقد احترقت يداه وأصيب بالرصاص في البطن والذراعين. وقال محمد (25 سنة) بصوت منخفض «أنتمي إلى السرية 32 وأنا هنا منذ أربعين يوماً».
وأمام «مستشفى الحكمة» يقوم العاملون بتنظيف النقالات الملطخة بالدماء بينما يصل أقرباء القتلى وهم يبكون لتسلم جثثهم ودفنها. وقال رجل في الخمسين من العمر باكياً: «هذا ابن عمي وهذا ابن جاري». ويرتاح الجراح محمود محمد على فراشه وقد بدا عليه الإنهاك. ويقول «لن ننجح إذا استمر العمل بهذه الوتيرة».
ويضيف الطبيب الشاب: «نخسر أشخاصاً نستطيع معالجتهم في الأوقات الطبيعية».
ويخشى أن تؤدي تعبئة سكان المدن المجاورة على غرار «بني وليد» و «زليتن» معقلي قبيلة «ورفلة» الأكثر موالاة لنظام القذافي إلى تعقيد عمل «الأطلسي» حيث سيصعب التفريق بين المدنيين والعسكريين. لكن لا يتوقع أن يؤدي ذلك إلى أي تغيير على الجبهة لأن حيزاً كبيراً من السكان يقاتل في مصراتة تحت لواء «جيش التحرير الشعبي» الذي يضم ميليشيات من «المتطوعين».
ويقول محللون إن القذافي عمد إلى استدعاء بعض القبائل الموالية له للقتال إلى جانب قواته في مصراتة بعد أن قررت أميركا استخدام طائرات من دون طيار «بريديتر» التي تتميز بالدقة ويمكنها إصابة القناصة وأفراد الجيش طالما كانوا يرتدون الزي العسكري وأمكن تمييزهم. ويوضح المحللون أن لجوء النظام إلى القبائل التي يرتدي مقاتلوها الزي المدني سيجعل مهمة «الأطلسي» أكثر صعوبة.
وللمرة الأولى منذ بداية النزاع، شنت طائرة «بريديتر» من دون طيار أولى غاراتها في ليبيا بعيد ظهر أول من أمس ودمّرت «راجمة صواريخ بالقرب من مصراتة» على بعد 200 كلم شرق طرابلس.
لكن الاتجاه العام للقتال في مصراتة غير واضح، فهناك قتال عنيف حول مستشفى في غرب مصراتة تستخدمه قوات القذافي قاعدة لها. وقتال في «شارع طرابلس»، بينما قال متحدث باسم المعارضة إن القوات الحكومية سيطرت على بلدة «يفرن» الرئيسة في منطقة الجبل الغربي النائية.
وعلى الصعيد الإنساني في مصراتة، وصل نحو 1400 من المدنيين وعمال مهاجرين ومصابين في الاشتباكات بين الثوار وقوات القذافي إلى مدينة بنغازي معقل المعارضة في الشرق أمس. ووصل بعض النازحين على متن السفينة «رد ستار وان» وهي رابع سفينة تستأجرها المنظمة الدولية للهجرة لإجلاء المصابين والنازحين عن مصراتة. وطبقاً للمنظمة كان على متن السفينة فريق طبي مختص لرعاية 17 مصاباً تم إجلاؤهم من المدينة، إضافة إلى العمال الأجانب والمدنيين الذين فروا من عنف القصف. وقال جيمي هاسلام رئيس عمليات مواجهة الأزمات بالمنظمة الدولية للهجرة وهو يصف الوضع في مصراتة: «في الحقيقة المستشفى مكتظ بالمصابين في شكل يفوق طاقته. انه يعمل بأقصى طاقته. لكن خلال الأيام القليلة الماضية تم نقل عدد كبير من المصابين بسفن مختلفة. لكن التحدي الذي يواجهونه «بالمستشفى انهم يستقبلون المزيد من الحالات باستمرار».
إلى ذلك سمع دوي انفجارات جديدة ليل أول من أمس في العاصمة الليبية طرابلس التي حلقت فوقها طائرات مقاتلة تابعة لـ «الأطلسي» وفق مراسلي وكالة «فرانس برس». وسمع انفجاران في محيط باب العزيزية مقر الزعيم الليبي معمر القذافي وسط طرابلس عند حوالى الساعة 19.45 (17.45 ت غ). وتلا ذلك انفجارات في مناطق أبعد، ولكن تعذر تحديد المواقع التي استهدفتها الغارات. وفي حوالى التاسعة مساء، سمع إطلاق نيران المضادات الأرضية والأسلحة الرشاشة في عدد من أحياء العاصمة، في حين كانت الطائرات تواصل تحليقها فوق المدينة.