تظاهرة الجزائر VS السلطة: تعادل إيجابي
واش جاب الكيلو للرطل"، بهذه العبارة يحدّد "هواري" موقفه من التظاهرة التي شهدتها الجزائر العاصمة، والتي دعت إليها "التنسيقية الوطنية من أجل التغيير والديمقراطية" (ائتلاف يضم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، نقابات مستقلة، بالإضافة إلى عدد من منظمات المجتمع المدني والناشطين الحقوقيين والسياسيين).
موقف النفور من التظاهرة جاء، تحديداً، بعد أن بدأ المتظاهرون يهتفون "الشعب يريد إسقاط النظام"، الاستعارة من شعارات ثورة مصر (مصر التي عادت لتصبح شقيقة بعد خلع مبارك)، لم تنجح في حشد المزيد من المناصرين أو المؤيدين للتظاهرة والقوى التي دعت إليها. وربما أدّى هذا الشعار مفعولاً عكسيّاً، إذ يرفض الجزائريون عموماً تشبيه رئيسهم بأحد الرئيسين المخلوعين التونسي أو المصري. الرفض له ما يبرره لديهم، إن لجهة وقوف الجزائر في صف الدول المعادية لإسرائيل على المستوى الخارجي، أو لجهة ارتباط وصول بوتفليقة إلى الحكم مع انقضاء سنوات الإرهاب الثقيلة أو العشرية السوداء كما تُسمى، واتباعه سياسة المصالحة والوئام الوطنيين على المستوى الداخلي.
ارتجال الشعارات في ساحة "أول ماي" من قبل المتظاهرين جاء تعبّيراً عن غياب "شعاراتهم"، لا سيّما بعد أن نجحت السلطات الجزائرية في الالتفاف المسبق على الأهداف التي رسمتها "التنسيقية الوطنية" في سياق تحضيراتها للتظاهرة بطريقتين: الأولى من خلال دعوة الرئيس بوتفليقة إلى الرفع التدريجي لحالة الطوارئ التي تحكم البلد منذ عشرين عاماً تقريباً، وفسح المجال الإعلامي الحكومي أمام المعارضة، بالإضافة إلى توجيهاته في تحقيق معالجات سريعة للوضع الاجتماعي، والثانية حين قدّمت ولاية الجزائر بديلاً للجهات الداعية إلى التظاهر بعد رفضها منح الترخيص للتظاهرة في العاصمة على اعتبار أن القانون يمنع ذلك (تعطي المادة 87 من الدستور الجزائري الحق في تنظيم المسيرات والتجمهر والتجمع)، وتمثّل البديل في القاعة "البيضوية" التي تتسع لعشرة آلاف شخص. رفضت "التنسيقية الوطنية" العرض وأصرّت على الشارع الذي احتضن حوالي 2000 متظاهر في ساحة أول ماي، لم يتمكنوا من كسر الطوق الأمني الذي حال دون أن تتحرك التظاهرة نحو الوجهة التي حدّدتها وهي ساحة الشهداء، الأمر الذي دفع مصطفى بوشاشي رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان إلى إعلانه انتهاء التظاهرة بعد ساعة فقط من موعد انطلاقها، تفادياً لتصاعد الاحتكاكات التي كانت قد بدأت بالفعل بين المتظاهرين من جهة والشرطة الجزائرية ومناصرون للرئيس بوتفليقة من جهة أخرى، المناصرون الذين فاجئوا المنظمين بوجودهم في ساحة أول ماي قبل موعد التظاهرة.
الجزائر ليست تونس والجزائر ليست مصر، هذا هو لسان حال السلطة وأوساط عريضة من المعارضة، فالبلد الذي يرزح تحت وطأة حمل ثقيل من الفوضى والقتل والرعب عاشها على امتداد عشرة سنوات (120 ألف ضحية)، يتشكك أبنائه ويترددون ويبدون حذراً كبيراً حيال كل محاولة لمواجهة السلطة التي مازالت حتى اليوم تحتفظ بشرعية الاستقلال الثوريّة في مواجهة أيّة شرعة ثوريّة جديدة. لكن هذه السلطة أيضاً لم تدرك حتى اليوم أن الجزائر ليست بخير، هذا ما يعلنه الكثيرون ممن لم يتظاهروا ولكنهم يشاركون المتظاهرين السخط على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي القائم، الذي يجعل من الجزائر مرشّحاً محتملاً للتغيير الذي هبّت رياحه من الجار الصغير، هذا بالإضافة إلى تاريخ احتجاجي تراكمي (5000 آلاف عمل احتجاجي خلال عامين بحسب الصحفي الجزائري أنور مالك)، لطالما تغاضت السلطة عن هذه الأعمال الاحتجاجية لهدف غير معلن وهو تنفيس الاحتقان الاجتماعي، الذي قد ينقلب نوّعيّاً في لحظة ما، لاسيّما على ضوء انتشار طريقة الاحتجاج بحرق الجسد في العديد من الولايات الجزائرية.
في مواجهة واقع متأزم كهذا، عملت السلطات الجزائرية على تخفيف الاحتقان من خلال الإجراءات التي أعلن عنها الرئيس بوتفليقة، لكن مشهد اليوم يسمح بالقول أن المفعول التسكيني لتلك الإجراءات كان قصيراً، وذلك مع انتشار حوالي ثلاثين ألف شرطي في مناطق متفرقة من العاصمة بالإضافة إلى تحليق طائرات هيلكوبتر في سماءها؛ فالسلطة التي تكتفي بعرض عضلاتها في مواجهة محتجين عزّل وتقمعهم وتعتقل بعضهم، والتي تستغل منابر المساجد لتوّجه خطباء الجمعة المعتمدين من وزارة الشؤون الدينية لدعوة المصلين لعدم الانخراط في التظاهرة، هي السلطة ذاتها التي تعجز عن تحقيق إصلاحات جوهرية في بنيتها، هذا على الأقل ما أعادت الثورتان المصرية والتونسيّة تذكيرنا به.
في المقابل، يحسب للتظاهرة والجهات الداعيّة إليها خلق نوع من الحيوية في المشهد السياسي الجزائري، وذلك من خلال السجالات التي اندلعت بين أطياف المعارضة السياسية وحتى في جسد التنظيم السياسي الواحد، وصولاً إلى انشقاقات على مستويات فردية، توحي، ربما، بإمكانية ولادة طيف معارض جديد يجتمع حول هدف تحقيق تغيير جوهري في النظام، أو بمعنى آخر ولادة نظام جديد، فالجزائر ليست مصر ولا تونس ولكن الجزائر ليست بخير.
واش جاب الكيلو للرطل"، بهذه العبارة يحدّد "هواري" موقفه من التظاهرة التي شهدتها الجزائر العاصمة، والتي دعت إليها "التنسيقية الوطنية من أجل التغيير والديمقراطية" (ائتلاف يضم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، نقابات مستقلة، بالإضافة إلى عدد من منظمات المجتمع المدني والناشطين الحقوقيين والسياسيين).
موقف النفور من التظاهرة جاء، تحديداً، بعد أن بدأ المتظاهرون يهتفون "الشعب يريد إسقاط النظام"، الاستعارة من شعارات ثورة مصر (مصر التي عادت لتصبح شقيقة بعد خلع مبارك)، لم تنجح في حشد المزيد من المناصرين أو المؤيدين للتظاهرة والقوى التي دعت إليها. وربما أدّى هذا الشعار مفعولاً عكسيّاً، إذ يرفض الجزائريون عموماً تشبيه رئيسهم بأحد الرئيسين المخلوعين التونسي أو المصري. الرفض له ما يبرره لديهم، إن لجهة وقوف الجزائر في صف الدول المعادية لإسرائيل على المستوى الخارجي، أو لجهة ارتباط وصول بوتفليقة إلى الحكم مع انقضاء سنوات الإرهاب الثقيلة أو العشرية السوداء كما تُسمى، واتباعه سياسة المصالحة والوئام الوطنيين على المستوى الداخلي.
ارتجال الشعارات في ساحة "أول ماي" من قبل المتظاهرين جاء تعبّيراً عن غياب "شعاراتهم"، لا سيّما بعد أن نجحت السلطات الجزائرية في الالتفاف المسبق على الأهداف التي رسمتها "التنسيقية الوطنية" في سياق تحضيراتها للتظاهرة بطريقتين: الأولى من خلال دعوة الرئيس بوتفليقة إلى الرفع التدريجي لحالة الطوارئ التي تحكم البلد منذ عشرين عاماً تقريباً، وفسح المجال الإعلامي الحكومي أمام المعارضة، بالإضافة إلى توجيهاته في تحقيق معالجات سريعة للوضع الاجتماعي، والثانية حين قدّمت ولاية الجزائر بديلاً للجهات الداعية إلى التظاهر بعد رفضها منح الترخيص للتظاهرة في العاصمة على اعتبار أن القانون يمنع ذلك (تعطي المادة 87 من الدستور الجزائري الحق في تنظيم المسيرات والتجمهر والتجمع)، وتمثّل البديل في القاعة "البيضوية" التي تتسع لعشرة آلاف شخص. رفضت "التنسيقية الوطنية" العرض وأصرّت على الشارع الذي احتضن حوالي 2000 متظاهر في ساحة أول ماي، لم يتمكنوا من كسر الطوق الأمني الذي حال دون أن تتحرك التظاهرة نحو الوجهة التي حدّدتها وهي ساحة الشهداء، الأمر الذي دفع مصطفى بوشاشي رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان إلى إعلانه انتهاء التظاهرة بعد ساعة فقط من موعد انطلاقها، تفادياً لتصاعد الاحتكاكات التي كانت قد بدأت بالفعل بين المتظاهرين من جهة والشرطة الجزائرية ومناصرون للرئيس بوتفليقة من جهة أخرى، المناصرون الذين فاجئوا المنظمين بوجودهم في ساحة أول ماي قبل موعد التظاهرة.
الجزائر ليست تونس والجزائر ليست مصر، هذا هو لسان حال السلطة وأوساط عريضة من المعارضة، فالبلد الذي يرزح تحت وطأة حمل ثقيل من الفوضى والقتل والرعب عاشها على امتداد عشرة سنوات (120 ألف ضحية)، يتشكك أبنائه ويترددون ويبدون حذراً كبيراً حيال كل محاولة لمواجهة السلطة التي مازالت حتى اليوم تحتفظ بشرعية الاستقلال الثوريّة في مواجهة أيّة شرعة ثوريّة جديدة. لكن هذه السلطة أيضاً لم تدرك حتى اليوم أن الجزائر ليست بخير، هذا ما يعلنه الكثيرون ممن لم يتظاهروا ولكنهم يشاركون المتظاهرين السخط على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي القائم، الذي يجعل من الجزائر مرشّحاً محتملاً للتغيير الذي هبّت رياحه من الجار الصغير، هذا بالإضافة إلى تاريخ احتجاجي تراكمي (5000 آلاف عمل احتجاجي خلال عامين بحسب الصحفي الجزائري أنور مالك)، لطالما تغاضت السلطة عن هذه الأعمال الاحتجاجية لهدف غير معلن وهو تنفيس الاحتقان الاجتماعي، الذي قد ينقلب نوّعيّاً في لحظة ما، لاسيّما على ضوء انتشار طريقة الاحتجاج بحرق الجسد في العديد من الولايات الجزائرية.
في مواجهة واقع متأزم كهذا، عملت السلطات الجزائرية على تخفيف الاحتقان من خلال الإجراءات التي أعلن عنها الرئيس بوتفليقة، لكن مشهد اليوم يسمح بالقول أن المفعول التسكيني لتلك الإجراءات كان قصيراً، وذلك مع انتشار حوالي ثلاثين ألف شرطي في مناطق متفرقة من العاصمة بالإضافة إلى تحليق طائرات هيلكوبتر في سماءها؛ فالسلطة التي تكتفي بعرض عضلاتها في مواجهة محتجين عزّل وتقمعهم وتعتقل بعضهم، والتي تستغل منابر المساجد لتوّجه خطباء الجمعة المعتمدين من وزارة الشؤون الدينية لدعوة المصلين لعدم الانخراط في التظاهرة، هي السلطة ذاتها التي تعجز عن تحقيق إصلاحات جوهرية في بنيتها، هذا على الأقل ما أعادت الثورتان المصرية والتونسيّة تذكيرنا به.
في المقابل، يحسب للتظاهرة والجهات الداعيّة إليها خلق نوع من الحيوية في المشهد السياسي الجزائري، وذلك من خلال السجالات التي اندلعت بين أطياف المعارضة السياسية وحتى في جسد التنظيم السياسي الواحد، وصولاً إلى انشقاقات على مستويات فردية، توحي، ربما، بإمكانية ولادة طيف معارض جديد يجتمع حول هدف تحقيق تغيير جوهري في النظام، أو بمعنى آخر ولادة نظام جديد، فالجزائر ليست مصر ولا تونس ولكن الجزائر ليست بخير.