إذا اتصلتَ بصديق في الجزائر تجده يقرأ الوضع في بلاده وخطوات الحكم فيها في ضوء الانتفاضة المصرية. وإذا اتصلت بصديق في الأردن يردّ بأن القوى التي عرقلت الإصلاح على امتداد العقد الماضي لن تكون قادرة على الاستمرار في العرقلة. لا بد من الإصلاح وبوتائر سريعة. ولا بد من توسيع الحوار وعدم استثناء أحد. واضح أن المتحدث يقرأ في الانتفاضة المصرية.
إذا اتصلت بصديق في اليمن يسارع الى القول انه لو طوى الرئيس حسني مبارك قبل سنتين ملفّي التجديد والتوريث لما كان مضطراً الى طيّهما تحت وطأة الاحتجاجات. ويقول إن إعلان الرئيس علي عبدالله صالح انه لن يرشّح نفسه في انتخابات الرئاسة المقبلة وأن موضوع التوريث غير مطروح خفّض المخاطر المحيطة بنظامه وأعاد إليه قدراً من القدرة على التعامل معها. بدا واضحاً أن المتحدث، كما الرئيس، ينطلق من دروس الانتفاضة المصرية.
أرخت الأيام المصرية بثقلها على عواصم الإقليم. شغلت المواطن العادي الذي لا يحتاج الى من يذكّره بأن الأسئلة المطروحة في مصر مطروحة أيضاً في بلدان أخرى، طبعاً مع الالتفات الى الفروقات والخصوصيات. ويفترض ان الأيام نفسها تشغل اصحاب القرار، فالمَشاهد تتدفق والأسئلة تتدفق.
كيف يمكن قطع الطريق على انتقال أعراض «الأيام المصرية» الى هذه العاصمة أو تلك؟ يخالجني شعور أن هذا السؤال مطروح في أكثر من مكان. أتخيل أنه يشغل المسؤولين والسياسيين والحزبيين. أتمنى ان يكون مطروحاً بإلحاح لدى المستشارين ايضاً. من حق أيّ متابع ان يسأل: هل نقل المستشارون والمعنيون الى الرئيس مبارك صورة الوضع على حقيقته في المجتمع المصري؟ لم يكن التوتر سراً. كان باستطاعة زائر القاهرة ان يشمه من الفندق الذي يقيم فيه ومن المواضيع التي تثيرها صحف المعارضة.
لعل أول درس من دروس «الأيام المصرية» هو ان الغرق في الطمأنينة يفتح بوابات الخطر. وأن النوم على حرير التقارير الوردية للأجهزة والمستشارين يحرم صاحب القرار من الاتصال بنبض الشارع والمواطنين. وأن معاملة كل مطالب بالإصلاح أو التطوير أو التغيير كأنه متآمر وتحركه أيادٍ أجنبية يفضي الى سد الآفاق أمام الرياح فتتحول مع الوقت عاصفة أو إعصاراً. الدرس الثاني هو أن الرياح يمكن ان تنطلق على أيدي شبان لم تجتذبهم شعارات المعارضة التقليدية وأساليبها. ولهذا أعتقد ان هذه الظاهرة يجب ان تقلق هذه الأحزاب نفسها التي يُفترض بها أن تراجع أيضاً خياراتها وطروحاتها. إقناع هؤلاء الشبان يحتاج الى حوار حقيقي وفتح النوافذ وإلى خطوات ملموسة تدعمها الأرقام. لا بد من التصدي للفقر والبطالة والفساد وإشراك المجتمع في بلورة السياسات والمساهمة في إنجاحها. الدرس الثالث ان المعالجات الأمنية وحدها قاصرة وتعمّق المأزق إذا غابت المعالجات الشاملة.
لا شك في ان «الأيام المصرية» أثارت قلقاً في أكثر من مكان. ومثلها حديث وزيرة الخارجية الأميركية عن «عاصفة هوجاء» تحدق بالشرق الأوسط. السؤال هو كيف يمكن تحويل القلق فرصة لإطلاق إصلاحات شاملة لا يمكن حماية الاستقرار من دون إجرائها حتى ولو بدت دواء مرّا. الدواء المرّ أفضل من الوقوع في العاصفة.